هناك سحابة تشاؤم سوداء تظلل مشهد العلاقة بين المسلم والمسيحى فى مصر الآن على صورة مشاحنات طائفية وخطابات تحريضية من بعض الدعاة، ولكن هناك على الجانب الآخر بعض الشموع فى نهاية النفق المعتم والتى تدعو لبعض التفاؤل مثلما حدث فى مسجد بدر بالإسماعيلية حين راجع المصلون الخائفون على وطنهم خطيب المنبر وردوا على خطابه الطائفى عن المسيحيين وتحريم عيد شم النسيم، ومن هذه الشموع أيضاً بعض أصوات العقل والاستنارة مثل د. عبدالمعطى بيومى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، الذى نستكمل معه اليوم رده على ما أثاره بعض الدعاة عن ضرورة فرض الجزية على الإخوة الأقباط.

يقول د. بيومى: (كلام هؤلاء الدعاة عن علاقة المسلم بالمسيحى وعن الجزية وعن أن الاحتفال بالمولد النبوى بدعة وضلالة لأنه من تقليد النصارى، هذا الكلام يجافى الهدى القرآنى والنبوى فى اعتبار الأخوة الإنسانية الجامعة والرفق بأهل الكتاب، وضرورة تحقيق شروط الجزية، فالقرآن الكريم يتحدث فى أكثر من موضع عن أن الناس ـ ولنلاحظ لفظ «الناس» أى من مختلف الأديان والأجناس ـ تجمعهم أخوة إنسانية، حيث يقول تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة..»، ويقول سبحانه: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا»، والقرآن يكرم الإنسان ـ أى إنسان ـ على أنه من بنى آدم، يقول تعالى: «ولقد كرمنا بنى آدم»، وحدث أن مرت جنازة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه فهب واقفاً، فقيل له إنها ليهودى، فقال: «أليست نفساً؟»، فأهل الكتاب أو غيرهم لهم حق المشاركة وحق الأخوة الإنسانية الجامعة بما تفرضه من بر متبادل وإحسان مشترك، وقد جاء فى أول وثيقة تمثل دستوراً للعلاقات ونظام المجتمع فى المدينة عقدها الرسول بموافقة جميع القبائل واليهود أنهم أمة واحدة وجاء فيها بالنص: «لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ (يهلك) إلا نفسه وأهل بيته، وأن ليهود بنى النجار مثل ما ليهود بنى عوف....إلخ»، وهكذا لكل قبائل المدينة، ثم تقول الوثيقة «وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم»).

يستكمل د. عبدالمعطى بيومى رسالته قائلاً: (لم تكن هناك جزية إذن فى هذا الوقت، بل كان المسلم يعامل اليهودى كما يعامل نفسه هو، ونفقات الدفاع مشتركة، وفى السنة النبوية تضمن صحيح مسلم باباً كاملاً احتوى على تسعة أحاديث نبوية كلها تأمر بالرفق بأهل الكتاب والبر فى معاملتهم والإحسان المشترك معهم، وبرغم أن عنوان الباب هو الرفق بأهل الكتاب، فإن إخواننا الذين ينتسبون إلى السلف فى مصرنا وقفوا عند حديث واحد وسط أحاديث الرفق، متجاهلين وصايا النبى وأوامره بالرفق بأهل الكتاب، وتتسمر عقولهم وعيونهم على هذا الحديث بالذات والذى يقول فيه عليه الصلاة والسلام: «لا تبدأوا أهل الكتاب وإذا لقيتموهم فألجئوهم إلى أضيق الطرق»، فهل لهذا الحديث مناسبة معينة؟، وهل يورده السلفيون بنفس النية والقصد؟)، هذا ما سنجيب عنه وسيوضحه د. عبدالمعطى بيومى فى مقال الغد بإذن الله.